الخميس، ٢٨ محرم ١٤٣١ هـ

مراحل الثقافــة ,,

مقدمه :
% شهد العالم الإسلامي في الربع الثالث من القرن العشرين يقظة إسلامية,فقد إستطاعت معظم أقطار العالم الإسلامي أن تتحرر من الإحتلال الأجنبي وتنعم بحياة الإستقلال ,وبدأت خيرات البلاد الإسلامية وكنوزها تعود إلى أهلها شيئاَ فشيئاَ وظهرت هنا وهناك دعوات إلى أقامة المجتمع الإسلامي الذي يعتمد نظام الإسلام في شؤون الحياة كلها,وقامت نهضة علمية و اقتصادية وصناعية حققت كثيراّ من أحلام المصلحين وآمالهم..
غير أن الصورة المضيئة لم تكن كاملة,فقد شهد هذا العالم كوارث ونكبات, وتعرض لإنقسامات ومظاهر الإنحراف والبعد عن الطريق القويم تفوق مامر عليه طيلة قرون طويلة.
كل هذا يجعل أمراَ محتماّ أن يعرض الإسلام على حقيقته عرضاّ شاملاّ واضحاّ بحيث تبدو جميع معاملة متناسبة الأجزاء ,مع بيان حكمة تعاليم الإسلام وتفوق مبادئه على جميع الأديان والمذاهب والأنظمة الأخرى.
إن مادة الثقافة الإسلامية تحرص على إعطاء الطالب صورة شاملة عن الإسلام قبل أن يدخل في التفصيلات,فهي لاتبحث في التوحيد أو الفقه أو التفسير أو غيرها من العلوم الإسلامية كعلوم قائمة بذاتها ولكنها تستفيد من هذه العلوم جمعياّ للتعرف على حقيقة الإسلام ,وروح الثقافة والحضارة الإسلامية وطبيعة هذا الدين المتميز الذي يجمع بين رغبات الروح والجسد.

قال تعالى:) وأبتغ فيما آتك الله الدار الآخرة^ ولاتنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك(
ومن هنا نشأت فكرة أن الثقافة الإسلامية تخصص من تخصصات العلوم الإنسانية,وتخصص دقيق في الدراسات العليا,وذلك لأن تخريج معلمين متخصصين في هذا الفن , ومن هنا نشأت أقسام للثقافة الإسلامية في أكثر جامعاتنا وأقسام الدراسات العليا لهذا الفن الجديد..





المرحلة الأولى:حال العرب والعالم قبل البعثة.
ساد العرب في القرن السادس الميلادي قبل البعثة دولتان كبيرتان على مقربه من جزيرة العرب إحداهما دولة الفرس في الشمال الشرقي والأخرى دولة الروم في الشمال والغرب ولكل دولة من هاتين الدولتين حضارة ذات ثقافة وقانون ولها عقائد تدين بها ففي الفرس تعاقبت الملوك الأكاسره الذين بسطو نفوذهم على أجزاء العالم المحيط بهم وبنو لأنفسهم حضارة سميت بالحضارة الفارسية وكانت آخر دولة حكمت الفرس" قبل الإسلام الدولة الساسانية" التي أستمرت في الحكم من سنة 226م إلى 651 حين أستولى عليها المسلمون ,أما دولة الروم التي كن يحكمها القياصرة فقد قامت حضارتها على الفلسفة النظرية والجدل المنطقي"اليوناني ثم الروماني.", وتوارثت آراء سقراط وأفلاطون وأرسطو وسيطرت على مناطق البحر الأبيض المتوسط بما في ذلك الشام ومصر والمغرب ولقد لجأت النصرانية إلى الفلسفة اليونانية لتستعين بها على الجدل ولتؤيد تعالميها وعقائدها ,كما قام السريانيون بنشر الفلسفة اليونانية واتخذوا لأنفسهم مدارس متعددة ,واهتموا بترجمة الكتب اليونانية بعقائدها الوثنية وثقافتها المتشعبة إلى اللغة السريانية بما في ذلك القانون الروماني وعلوم الطب والفلك والفلسفة.
وأما العرب فقد كان أكثرهم من البدو الرحل الذين يعيشون في الصحراء ويربطهم نظام القبيلة بأعرافه الأجتماعية وعاداته التقليدية ويحكمهم رؤساء القبائل الذين يفصلون في الخصومات ولهم سلطة الأمر والنهي عليهم ولم يكن العرب في معزل عن الثقافات المحيطة بهم ,بل إن النزاع الدائم بين الفرس والروم أدى إلى أستفادة كل من الجانبين بالعرب حتى يكونوا رداءّ بصد غارات البدو عليهم,فإن المتأمل لمجرى تاريخ الثقافة لابد أن يمتلكه العجب من كيفية ظهورها ونموها,فأمة العرب قبل الإسلام من حاضرة وبادية في مستوى لايمكن أن يوصف بالحضاري من الناحية المادية والمنجزات الثقافية الملموسة إلا أنهم كانوا في مرتبة عالية من النضج الإنساني فقد امتلكوا قدراّ لابأس به من المعرفة ,فالعرب اكتسبوا قدراّ كبيراّ من المعارف المتعلقة بالطبيعة والكائنات ولكن ذلك كله لم يشكل مفهوماّ كلياّ ولانظرية عامة وإنما أتسم بكونه ملاحظات جزئية متفرقة أيضاّ تفوق العرب على غيرهم من الأمم في مجال علم الأنساب وذلك إعتزاازهم بإنتسابهم إلى قبائلهم .
أما الميدان الثقافي الذي برع فيه العرب هو ميدان البلاغة والفصاحة,فالعربي كان فصيحاّ بطبعه بليغاّ بفطرته,أيضاّ كان للعرب شعر قد برعوا فيه عبروا عن حكتهم ومثلهم العلياء وفضائلهم ومقاييسهم الخُلقية وهي مقاييس إنسانية عمادها."مفهموم المروءة بإعتبارها رمز الفضائل"




المرحلة الثانية:القرآن والسنة أومايسمى بمرحلة ماقبل التدوين:
إن علم الثقافة الإسلامية بمفهومها الشامل المتضمن دراسة كليات الإسلام وله في الوجود كله,قد نشأ أولاَ من منهج الكتاب والسنة,فالوحي خطاب شامل لشؤون الحياة كلها ,فجاء الإسلام عقيدة وشريعة فوضع أمام العقول رؤية شاملة لحقائق الإيمان المرتكزة على توحيد الله وإفراده بالعبادة وتشريعاته السمحة الغراء وقيمه وأخلاقه ومبادئه وهديه وآدابه في صلاح الفرد والمجتمع,إضافة للنظرة المتكاملة للكون ولإنسان والحياة وهنا تمكن الثقافة الإسلامية كعلم كلي بالحقائق في علم الغيب والشهادة والإرتفاع بالتفكير إلى أعلى مستوياته وضبط السلوك الفردي والفاعلية الإجتماعية بمفاهيم الإسلام وهديه وتعاليمه فجاء للإسلام ومن أهم مراميه الإصلاحية الإصلاح الثقافي والتهذببي وتمثلها أكمل الآيات الكريمة) هو الذي بعث في الأميين رسولاّ منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين(..
فإن كثيراّ من دلالات الثقافة في هذه الآية وغيرها من الآيات,فتعليم الكتاب والحكمة والتزكية عملية ثقافية متكاملة تتفاعل فيها المادة الثقافية مع الخصائص الذاتية وفقاّ لنموذج معياري صور مثلى,ثم إن القرآن والسنة انتهجا منهجا ثقافيا في عرض رسالة الإسلام بجوانبها المتكاملة.
< فأما القرآن فقد حفلت آيات كثيرة بالاشتمال على النظرة الكلية المركبة التي يتداخل فيها عالم الغيب والشهادة وأمور العقيدة والشريعة والآداب والأخلاق مثل قوله تعالى:) ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر..( ففي تناول الإسلام لمفهوم البر ربط وثيق بالعقيدة والشريعة والأخلاق فكأنه ربط الجزئي بالكلي وهذا السياق هو كنه الثقافة الإسلامية. , وأما السنة فقد حفلت كذلك بتلك الرؤية الكلية لتعاليم الإسلام وتطبيقاتها مثل الحديث عند شعب وقوله:" أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" فقدم الإسلام بكلياته مترابطاّ متناسقا في الأقوال والأفعال والنيات ثم نشأ ثانياّ:من منهج صحابة رسول الله الذين فهموا رسالة الإسلام وأهدافه فهماّ عميقاّ شاملاّ, يدل عليه الرسائل المتبادله بين الخلفاء الراشدين في شموليتها كل جوانب الإسلام وسار أئمة العلم على هذا المنهج بعد الصحابة وكانوا علماء بالإسلام كله لاببعض أجزائه.


المرحلة الثالثة:التفاعل الحضاري:
من الملاحظ أن توسع المسلمين في فتوح البلدان صحبه تفاعل مع الحضارات المجاواره ومالديها من تراث بل عمد المسلمون إلى استجلاب تراث أولئك الأقوام فنشأ بذلك تحد جديد لم يكن معروفاّ من قبل أقتضى المواجهة وإظهار تميز الإسلام وكانت أهم الجهود التي واجهت هذا التحدي قد برزت هي نطاق السنة على أيدي علماء الحديث ومن أهمها ما قام به البخاري من خلال كتابه "الجامع الصحيح" الذي أظهر من خلال تراجمه شمول لأوجه الحياة كلها فكان ذلك تجسيداّ للمنهاج الإسلامي الشمولي وتبعه من بعده أكثر علماء الحديث في كتابة السنة وتقسميها على الأبواب بما يشمل أوجه الحياة كلها,فالحديث عن هذه المرحلة واسع جداّ ولكن أكتفي بالقول بأن الثقافة الإسلامية شكلت خلفية فكرية مستترة وكامنة وراء فاعلية الفرد والمجتمع,بل والأمة الإسلامية في دوائر تتسع من مستوى الفرد فالمجتمع فلأمة من ناحية,وعلى مستوى المعارف والعلوم والفنون تتسم بالشمول والموسوعية وحتى فرض التخصص نفسه وكان لهذه المرحلة من الإيجابيات الكشف عن جوانب عظمة الإسلام ومن خصائص هذه المرحلة:
@ تأثر المسلمين وانخداعهم ببعض الأفكار والاصطلاحات مثل"التقدمية والتطور والتجديد" .
@ نقل المسلمين مشكلات الغرب التي نشأت في ظروف تاريخية خاصة به وإقنحام تلك المشكلات داخل المجتمع الإسلامي مع إختلاف الظروف والملابسات مثل مشكلة الصراع بين الدين والعلم وغير ذلك من الخصائص.




المرحلة الرابعة :التجديد:
مر الفكر الإسلامي كغيره بفترة ركود ,كما هو شأن الأمم بعد حركتها وإزدهارها وقد كان من أثر الركود على الفكر ماظلله من غشاوة,هذا إلى غياب البعد الشامل وسيادة النظر الجزئية لدى معظم علماء تلك الفترة بحكم الإنكفاء على التخصص وغلبة التقليد مما دفع بالعلماء الذين أحسوا بخطورة الوضع إلى كسر طوق الركود والتنبيه إلى ترابط العلوم الإسلامية لأداء وظيفتها الأساس المتمثلة في بيان الحق ,ومن الجوانب التي عني بها المجددون من العلماء والدعاة البعد الشامل للإسلام,ولسنا هنا بصدد حصر أولئك العلماء والدعاة وتعداد محاولاتهم ولكن حسبنا الإشارة إلى نموذج لهم فمن أبرزهم "الإمام إبن تيمية" الذي قام بحركته النقدية لتراث الحضارة الإسلامية بنهج سلفي يتسم بالشمولية في العرض والنقد ,مما جعل تراثه مرجعاّ أساساّ للمصلحين,ولاسيما في العصر الحديث,ومن العلماء الذين تأثروا بـــ الشيخ: ولي الله الدهلوي" الذي إهتم بعرض الإسلام بمنهج شمولي في كتابه"حجة الله البالغة" ورأى أن هذا العلم الذي أودعه كتابه أحد علوم الحديث مشعراّ بميزة هذا العلم وأهميته,ذاكراّ فضل الله عليه بإلهامه هذا العلم,وفي العصر الحديث: طرأ وضع جديد على العالم الإسلامي وهو الإتصال الثقافي حينما سهل الإتصال بين الناس وتيسرت وسائل المعرفة جهدت التيارات الهدامة والمذاهب الباطلة في نشر مبادئها فيما يسمى بالأيدلوجيا فأصبح من السهل على الإنسان أن يأخذ تصوراَ متكاملاّ عن مذهب ما من تلك المذاهب من خلال كتاب واحد يجمع أصوله في كل النظم فنجد ماأفرزه ذلك الإتصال من تحديات للفكر الإسلامي تردد صداها على يد العديد من العلماء والمفكرين والدعاة ففي هذه المرحلة بدأت تتضح صورة الإسلام الخاصة به ومقاييسه,وبدأت مرحلة الوعي بالذات وماتملكه الأمة من مبادئ عليا ونظم صالحة مما هو موجود لدى الغرب,وجد المسلمون بين أيديهم رصيداَ ثمنياَ من المثل والقيم والمبادئ والنظم, واكتشفوا أن ماجاء به الإسلام نظام كامل وشامل للحياة.وفي هذه المرحلة بدأت تتضح عيوب وسلبيات النظم الغربية وأصبحت توجه الإنتقادات إليها فبدأت تتضح عيوب الإشتراكية والعلمانية والديمقراطية وأن الشعوب لم تجد في تلك المذاهب والنظريات مايحقق رقيًها وسعادتها فنلاحظ أنه قد توالت الصيحات والنداءات وتوالت الأفكار والكتابات لبيان شمول الإسلام وصد الغزو الثقافي القادم من الغرب,وكان النهج المناسب لذلك هو النهج الشمولي لما تتصف به الأيديولوجيات الغازية من شمول في تحديها ,وقد أندرجت تلك الكتابات في الإطار العام للإسلام والحضارة الإسلامية بياناّ للحق ودفعاّ للباطل ,فكان نتيجة ذلك وجود طائفة من الإفكار والكتابات ذات المنزع الشمولي في إطار التجديد والدعوة إلى الإسلام والدفاع عنه,ولكنها لم تأخذ تسمية معينة.




المرحلة الخامسة:تسمية العلم واستقلاله..
إستطاعت الثقافة الإسلامية أن تقاوم العوامل والمؤاثرات التي تقوض الحضارات وأن تصمد أمام غزوات التتر المدمرة,وأن تقاوم عدوان الدول الغربية منذ عصر الحروب الصليبية إلى اليوم وهي لاتزال تحاول الإنشاء والتجديد فنلاحظ أن الجهود السابقة في المرحلة الرابعة لفتت الإنتباه إلى أهمية توعية الأجيال بهوية الأمة الإسلامية في تصورها وشريعتها لذا فقد تم إدخال تلك الأبحاث والموضوعات تحت مسمى علم جديد قرر تدريسه في المستوى الجامعي وكانت البداية
بإسم "نظام الإسلام" حينما تم تدريسه بكلية الشريعة بجامعة دمشق وكان للأستاذ محمد المبارك رحمه الله فضل السبق في ذلك,والدعوة إليه ثم من بعد اتخذت إطاراّ أوسع وأدخلت تحت مسمى"الثقافة الإسلامية" فأصبحت منذ ذلك الوقت علماّ إسلامياّ مستقرّ إنضاف إلى العلوم الإسلامية,يؤدي وظيفته في بيان شمول الإسلام لشؤون الحياة والدفاع عنه ونقد ماسواه,وهكذا صار المسلمون منشئ ثقافة ممتازة فريدة وحيدة وحضارة رائعة رفيعة الشأن واصبحوا أساتذة الإنسانية , وهكذا تكون النموذج الثقافي الإسلامي وهو نموذح قادر على البقاء بفضل متانة أصوله وسلامة عناصره ومقوماته وقابليته للتطور والرقي.



الخاتمــه :

من أهم النتائج والتوصيات التي توصلت من خلال بحثي مايلي:

/ أن علم الثقافة الإسلامية علم جديد نشأ في القرن العشرين نتيجة الهمجية الشرسة على الإسلام والمسلمين..
/ إن علم الثقافة الإسلامية موجود عند العلماء القدامى بمسمى آخر وإن لم يشر صراحة إلى مسمى الثقا فة..
/ من مصادر الثقافة الإسلامية القرآن والسنة وماتحتويها من الإشتمال على النظرة الكلية لتعاليم الإسلام السمحه..
/ توضح الثقافة الإسلامية شمولية الإسلام في وحدة متكاملة..
/ أن الضرورة تقتضي تأصيل علم الثقافة الإسلامية كتخصص دقيق في الدراسات العليا لتخريج معلمى الثقافة الإسلامية في الدراسات العليا والحامعية ,وتخريج المتخصصين والمفكرين والإسلاميين في هذا المجال..



وفي الختــام :
فإن هذا البحث جهد بسر يصيب ويخطأ,فما كان صواباَ فمن الله وماكان خطأ فمن نفسي والشيطان,وإن كنت لاأرغب أن يدرج بحثي لبعض الكمال,لكن يأبى الكمال أن يكون إلا لله تعالى..
فعزائي أني بذلت جهدي وطاقتي على قدر المستطاع,
وأستعنت بخالقي فهو لايضيع من عمل عملاّ نافعاّ,,
أسأل الله تعالى أن ينفعني بهذا البحث وينفع به.
وأن يجعله خالصاّ لوجهه إنه على كل شئ قدير...
هذا والله تعالى أعلم ,وصلى الله وسلم على رسول الله r



المراجع :
+ المدخل إلى الثقافة الإسلامية د: عبدالإله الملا.
+ الثقافة الإسلامية وأثرها في تكوين الشخصية الإسلامية معالم ضرورية للمسلم د:سعد المرصفي..
+ مقدمات في الثقافة الإسلامية د:مفرح القوسي..
+ الثقافة الإسلامية تخصصاّ ومادة وقسماّ علمياّ-دراسة تنظيرية وتعريفية –مجموعة من المتخصصين في الثقافة الإسلامية
+ تاريغ التشريع الإسلامي-مناع القطان..
+ الثقافة الإسلامية وحوافزها- أمين المدني
+ مقدمة إبن خلدون..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق